محاضرة للدكتور علي فخرو في مؤتمر «العولمة والتعليم« بالمغرب
بعنوان: مستقبل التربية والتعليم في البلاد العربية
موضوع المحاضرة واسع ومتشعب. فالحديث عن المستقبل يستوجب الاستشراف من جهة ووضع مختلف سيناريو البدائل من جهة أخرى. والبلاد العربية تضم تباينات عميقة في أوضاعها التربوية بحيث يصعب الحديث عن حلول واحدة بل حتى مشتركة. وحتى في الإقليم الواحد من الوطن العربي تكثر التباينات بين الأقطار. وأما المتغيرات العالمية فإنها كثيرة وذات مستويات مختلفة في التأثير. وعليه فقد كان لابد من الإيجاز أحياناً والقفز فوق بعض الأمور الفرعية أحياناً أخـرى. المتغيرات العالمية الكبيرة بالطبع نحن معنيون في الدرجة الأولى بالتغيرات التي سيكون لها تأثير مباشر أو غير مباشر على الوضع التربوي العربي.
1 - المتغير السياسي: لا توجد منطقة في العالم تأثرت بتداعيات اختلال التوازنات العالمية وأحادية القطب ممثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية مثلما تأثرت منطقتنا العربية. كنتيجة لذلك، وبسبب الالتصاق الوثيق بين اليمين الأمريكي المتطرف مع المشروع الصهيوني، وفي ضوء التغيرات الهائلة في المسرح العالمي بعد أحداث 11 سبتمبر سنة 2001، تغير الوضع العربي برمته. لقد عاد الاستعمار إلى العراق، وأنهكت المقاومة الفلسطينية بعد الاستفراد بها، واحتلت منابع البترول العربية الأساسية، وأصبح القرار السياسي العربي القومي خاضعاً للإرادة الأمريكـية. وبالطبع لكل ذلك تداعيات اقتصادية وأمنية واجتماعية ونفسية وايديولوجية ستعكس نفسها على الوضع التربوي بعمق. وما الإصرار على تغيير المناهج، وخصوصاً بالنسبة إلى التربية الإسلامية والتربية القومية وقراءة التاريخ العربي قراءة جديدة، إلا رأس الجبل الجليدي الذي يقبع في قاع محيطات الهيمنة الأمريكية - الصهيونية القادمة من كل اتجاه.
2 - المتغيرات الاقتصادية: وبالطبع فبالإضافة الى التحكم الأمريكي شبه التام بثروة العرب البترولية التي كان مؤملاً أن تكون رأس حربة التنمية، هناك متطلبات العولمة الاقتصادية. ولعل أبرز ما فيها الإصرار على تقليص دور الدولة في تقديم الخدمات الضرورية للمواطنين، وعلى الأخص الفقراء والمهمشون منهم. وبالتالي سيطول هذا التقليص الخدمات التعليمية التي يراد لها أن تدخل عالم الخصخصة بكل ما يحمله من أخطار تربوية وثقافية من جهة ومن ترسيخ لهيمنة بعض الطبقات الاجتماعية وإضعاف الحراك الاجتماعي من جهة أخرى. ولما كانت العولمة ستزيد من سيطرة الشركات الدولية على الحياة الاقتصادية في كل بلد وستؤثر في أسواق العمل ومعدلات البطالة ونوع العمالة المطلوبة فان الخطط الوطنية والقومية للتربية والتعليم ستضطر الى أن تكون أسيرة متطلبات تلك الشركات وفي مقدمتها إعطاء الأولوية للغات الأجنبية على حساب اللغة القومية وتسابق المدارس العامة والخاصة للاعتراف ببرامجها من قبل الشركات ومن قبل وكالات الاعتراف الأكاديمي الأجنبية وذلك من أجل ضمان توظيف خريجيها من قبل تلك الشركات. فإذا أضيف الى ذلك ضعف الإرادة العربية في إقامة كتلة اقتصادية قادرة على المقاومة والدفاع عن النفس، والدلائل التي تشير الى ازدياد الفقر وتمركز الثروات في أياد قليلة بسبب العولمة وإملاءات المؤسسات المالية الدولية، كالبنك الدولي، أدركنا كم هي الأخطار التي تنتظر حقل التربية في المستقبل القريب.
3 - المتغيرات العلمية والتكنولوجية: لا يحتاج الإنسان الى الإسهاب في هذا الموضوع، فقد كتب عنه الكثير. وهذه التغيرات يومية، ولها تأثيرات مباشرة في كل مناحي الحياة كما حدث مثلاً في حقل ثورة المعلومات والاتصالات أو كما سيحدث قريباً جداً في حقل علوم التقنية الحيوية بكل تفريعاتها أو في حقول علوم البحار والفضاء والطاقة البديلة. وبالطبع فان كل ذلك يتلخص في انتقال العالم الى ثورة المعرفة التي أصبحت المقياس الأهم لتقدم الأمم. ولعل قراءة تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003 ستكفي عن الدخول في أي تفاصيل، فلقد أظهر التقرير عمق الهوة بين الوطن العربي والعالم المتقدم في هذا الحقل. وعندما قدم التقرير الحلول لردم هذه الهوة طالب بتغييرات جذرية في كثير من مناحي الحياة العربية ومن بينها بالطبع إجراء تغييرات كبيرة في الحقل التربوي العربي.
4 - المتغيرات الثقافية: على قمة هذه المتغيرات موضوع الهيمنة الثقافية الأحادية، وبالتحديد الأمريكية، على العالم كله، ومن ضمنه الوطن العربي. غير أن هذه الهيمنة ستكون مضاعفة عندنا، فإضافة الى ترسيخ نمط التفكير والعيش والنظرة الأمريكية للاقتصاد والسياسة التي تفرض على العالم كله مطلوب منا نحن التخلي عن ثوابت ثقافية إسلامية وعربية كثيرة ليس هنا مجال الخوض فيها. إن القوة الهائلة في فرض أي ثقافة أصبحت تكمن في القدرات الهائلة للتكنولوجيا نفسها التي أصبحت بذاتها قادرة على تحطيم المقاومة وبناء الاستعدادات النفسية والذهنية عند الفرد. ولما كنا متخلفين في هذا الحقل فان قضيتنا مع المتغيرات الثقافية أصبحت بالغة التعقيد وحاملة تحديات كبيرة، خصوصاً للحقل التربوي المترابط معها مباشرة. تلك في رأيي، وباختصار شديد، هي أهم المتغيرات التي سنحتاج الى فهمها ثم التعامل معها. مستقبل التربية العربية لقد قامت عدة جهات بدراسة سيناريوهات للتعليم في الوطن العربي، من أبرزها مشروع مستقبل التعليم في الوطن العربي الذي أعده منتدى الفكر العربي في عمان، والعديد من الدراسات المستقبلية التي قام بها مركز دراسات الوحدة العربية. وبالطبع فإنها جميعاً تحتاج الى مراجعة تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات العالمية والعربية التي عصفت بالوطن العربي في العشر السنوات الماضية. لكن من المؤكد أن سيناريو بقاء الأوضاع التربوية العربية على ما هي عليه سيحمل الكوارث ويؤدي الى إضعاف شديد للأمة. إذًا فالسيناريو الذي سنضعه أمامكم هو بديل لا غنى عنه ويحتاج الى أن تنصب كل الجهود الوطنية والقومية للأخذ به حتى لو كان على مراحل وبالتدرج، خصوصاً في الأقطار العربية الضعيفة الإمكانيات في القدرات الاقتصادية والبشرية.
قبل الانتقال إلى ما نحتاج القيام به في حقل التربية، من أجل أن يكون لها مستقبل معقول، دعنا نطرح على أنفسنا السؤال المفصلي التالي: ما الذي نطلب إلى التربية العربية تحقيقه؟ باختصار شديد نطلب الآتي:
أولا: تجديد الثقافة العربية: وهذا لا يمكن أن يتم إلا من خلال مساهمة المؤسسة التربوية بشكل كبير وفاعل في تحليل ونقد فكر الماضي، وإعادة تجميعه وتركيبه وهضمه تمهيداً لتجاوزه الى الفكر الجديد. إن موضوعات كبيرة تنتظر هذا التجديد من أمثال قضايا قمع المرأة والعلاقات البطريكية في الأسرة، وطغيان التاريخ على الحاضر، وثنائية الأصالة والمعاصرة، والروابط المجتمعية الفرعية من مثل القبلية والمذهبية والأسرية، والنظرة الدونية للعمل والعلاقات الرعوية بالحزب والقائد والدولة الخ... من تقاليد وممارسات غير حقوقية وغير ديموقراطية وخارج ما توصلت إليه التجارب الإنسانية الرفيعة.
ثانيا: فهم وهضم وتمثل المنعطفات والثورات التحديدية في تاريخ الإنسانية الحديث: ويشمل هذا فهم التغيرات الكبيرة من مثل العقلانية والمناهج العلمية والأنظمة الديموقراطية والثورات التكنولوجية وعلى الأخص المعلوماتية ومركزية المعرفة في حياة الإنسان والمجتمعات. وسنحتاج إلى أن ندخلها في حياتنا كفكر وعلم ونظم وتقنية وليس كموضات وأقنعة تخفي في داخلها التناقضات والتخلف والخداع باسم الخصوصية العربية والعادات والتقاليد والخطوط الحمر الكثيرة لقوى الاستبداد ولقوى الانغلاق غير المبرر لا دينيا ولا خلقيا.
ثالثا: بناء المواطن المحدث: أي المتصف بالصفات التي تتطلبها الحداثة من نزعة عقلانية صارمة في الفكر والفعل، ومن استعداد ذهني للتكيف والتغير لمتطلبات التجديد الضروري، ومن إيمان عميق بالحرية وقبول الرأي الآخر، ومن التزام بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها من السلوكات والتوجهات التي تصب في التعامل مع الحياة بصدق وقيم رفيعة وكفاءة عالية وفهم عميق لما وراء العلم والتكنولوجيا والأحداث الطبيعية والمجتمعية. ومن البدهيات أن التحديث لا يمكن أن يتعارض مع السمو الروحي والثقافة الإسلامية التي أوجدت العالم والمفكر والمناضل المتعبد في آن واحد ولم تساو بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون ورفعت الذين أوتوا العلم درجات.
رابعا: الإعداد للعمل: وخصوصاً الوظائف الجديدة، والمواطنة التي أشبعت بحثاً من قبل الكثيرين، وأخص بالذكر الدكتور محمد جواد رضا الذي أفاض في وصف متطلبات الوظائف الجديدة وعلى الأخص متطلبات إعداد المحللين الرمزيين. والواقع أن المهمات الأربع السابقة تنسجم كل الانسجام مع الأعمدة الأربعة للتعليم التي وضعتها اليونسكو وهي تعلم لتعرف، وتعلم لتعمل، وتعلم لتعيش مع الآخرين، وتعلم لتكون إنسانا سويا. أولويات تطوير التعليم العربي وتجديده عبر عام 2003 عكفت لجنة، كان لي شرف رئاستها، على وضع تصور معقول ومتوازن لمسألة التطوير الشامل للتعليم في دول مجلس التعاون في الخليج العربي. وقد اقترحت اللجنة ستة مشاريع كبيرة يرافقها تسعة عشر برنامجاً تفصيلياً يمكن الإضافة إليه من قبل أي دولة عربية حسب أولوياتها وقدراتها. وفي تقديم مقترحاتي وتصوراتي سأستفيد جزئياً من ذلك التقرير.
أولا: تمهين التعليم: إن المعلم هو المدخل الرئيسي لأي تطوير تربوي جذري وتمهينه هو المدخل لإعداده. منذ ما يقرب من ربع قرن وأنا أنادي باتخاذ خطوات تؤدي الى أن تصبح مهنة التعليم من المهن الموقرة كمهن الطب والهندسة والمحاماة وغيرها. ولا يسمح الوقت لإبراز مدى توافر متطلبات تلك التسمية. ولكني سأركز في متطلبات إعداد المعلم وعضو هيئة التدريس في الجامعة ليكونا مهنيين.
1 - أن يحصل الاثنان على دراسة أكاديمية شاملة وعميقة في المادة المعرفية التخصصية التي سيدرسانها مستقبلا.
2 - أن يكون لدى الاثنين خلفية ثقافية عامة من خلال دراسة ما يسمى المواد الثقافية الإنسانية (البعض يسميها الليبرالية) المشتركة بما فيها الدراسات الاجتماعية والأدبية والتاريخية والسياسية والفلسفية والدينية والعلمية - التقنية. وهي مدخل لترسيخ ثقافة العقل والاستنارة والعدالة والقيم الرفيعة عند التلاميذ.
3 - أن يحصل الاثنان على دراسات أساسية تربوية، وهي معروفة.
4 - أن يكون لديهما إلمام كاف بتكنولوجيا التعلم والتعليم بما في ذلك الكمبيوتر والإنترنت وهذا سيساعدني على ترسيخ ممارسة التلاميذ للتعلم الذاتي.
5 - أن يكون لديهما إلمام واقتناع بأخلاق وسلوكات المهنة، بما فيها الحرية الأكاديمية وخصوصاً في المستوى الجامعي.
6 - أن يدخلا برنامجاً تدريبياً مدة سنة أو سنتين مماثلاً لبرنامج تدريب طبيب الامتياز.
7 - أن يكون لديهما، وعلى الأخص أستاذ الجامعة، الإلمام بأساسيات البحث العلمي. وبالطبع كما في كل المهن الأخرى، سيمارسان التعليم والتدريب المستمرين طوال حياتهما المهنية وسيخضعان لاجتياز امتحانات تقييمية دورية للتأكد من بقاء المستوى المهني في مستويات عليا. في اعتقادي أنه من دون هذا الانتقال النوعي الجذري في تهيئة المعلم وأستاذ الجامعة فان كل الإصلاحات الأخرى، إن تمت، ستتم في مستويات متواضعة ومنقوصة وستكون مؤقتة تتساقط بمرور الزمن.
إن التمهين سيعني احتراماً مجتمعياً للمعلم وسيعني رواتب عالية ومجزية، ولكنه سيعني أيضاً تحقيقا حقيقيا، وليس ظاهرا، لكل الأهداف التربوية التي سيضعها المجتمع وعلى رأسها أن تكون التربية مدخلاً للتجدد الثقافي الدائم وللنمو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المستديم. ثانيا: تغييرات شمولية تكاملية لعملية التعليم والتعلم والتقييم: إن الركائز الأربع للتعليم التي اقترحتها اليونسكو منذ عشرة أعوام تظل صالحة للبدء بها وهي «تعلم لتعرف« و«تعلم لتعمل« و«تعلم لكي تتعايش« مع الآخرين و«تعلم لتكون« غير أن رأس الحربة الذي يجب أن يقود لكل العملية هو «تعلم لتكون« الذي يهيئ الفرد المستقل، المسؤول، المفجر لقدراته الذاتية من حيث التفكير العقلاني - التحليلي - التركيبي ومن حيث الخيال المبدع والإحساس بالجمال والتوق الروحي والتواصل الإنساني المتوازن والجسد القوي الصحي. إن تلك الأنواع الأربعة ستتطلب تغييرات كبيرة في المناهج وأساليب التعليم والتقييم فالتوازن في المناهج لصالح جرع أكبر للمواد العلمية والتقنية مطلوب في عصر يحرك عجلة تقدمه في الأساس العلم والنمو التكنولوجي الخرافي. والمهارات الاتصالية، من قراءة وكتابة وحديث واستماع، وبكفاءة عالية مطلوبة في عصر المعلوماتية وثورة الاتصالات، ومهارات التفكير الناقد والتقييم الموضوعي والحكم بتجرد ضروري في عصر تكتسحه ألاعيب الإعلانات والإعلام المضلل والإنهاك المتعمد للإنسان بإغراقه في بحور المعلومات وإبعاده عن عالم المعرفة. وفي عالم تفجر المعرفة هناك حاجة قصوى إلى أساليب التعلم الذاتي وحل المشاكل. وأخيراً فان التقويم الذي لا يكون تشخيصياً - تكوينياً - أدائياً لا يكون فاعلاً في تحسين عملية التعلم ولا يقيس إلا المعلومات الاسترجاعية المتناثرة. من الممكن أن يستمر الإنسان الى ما لا نهاية في ذكر التحسينات والتغييرات المطلوبة، إذ المناسبة لا تسمح بذلك، لكني أود التذكير بأن تغييراً لا يترافق مع إجراء البحوث الضرورية، قبل وأثناء وبعد عملية التغيير، لن يكون بمنأى عن ممارسة التخمين والطحن من دون طحين. فالبحوث مطلوبة لقيادة التغيير وتعديل مساره وتقييمه. ثالثا: تعديل ثقافة المدرسة: إن المدرسة ليست فقط للتعليم والتعلم.إنها مجال حياتي اجتماعي يعيش فيه الطالب أثناء فترة تكون قدراته الذهنية والنفسية والجسدية والروحية. فإذا كانت العلاقات في المدرسة، وهي الوحدة التربوية الأساسية وخلية جسد المؤسسة التربوية، علاقات تسلطية وقمعية، كما هو الحال في المدرسة والجامعة العربيتين، فان النتيجة ستكون عبارة عن تربية لإنسان خائف، متردد، خنوع، قابل في المستقبل لتقبل الجلد من قبل الدولة المستبدة من دون مقاومة أو احتجاج. وإذا كانت إدارة المدرسة بيروقراطية، لا تمارس الشفافية والأخذ والعطاء، ولا تبني مؤسسات طلابية ديموقراطية، ولا تقبل بمشاركة جميع أفراد المجموعة التعليمية في اتخاذ القرارات، ولا تتواصل مع الآباء والأمهات لإشراكهم في حياة المدرسة الأكاديمية والإدارية والنشاطية فان النتيجة هي تخريج مواطنين لا يعرفون حقوقهم الأساسية ولا طرائق ممارسة العلاقات الديموقراطية وبالتالي سيكونون مواطنين غير أكفاء في الحياة العامة. المطلوب هو بيئة مدرسية، تمارس وتنمي الثقافة الديموقراطية، ولها استقلالية أكاديمية وادارية ومالية معقولة وتلتزم بقيم أخلاقية من مثل تساوي الفرص والإخاء والمسؤولية والتراحم والتعاون والتسامح وإعلاء شأن الحقيقة. مثل ذلك الجو في تلك المدرسة يحتاج الى مدير هيئ تهيئة أكاديمية وتدريبية ليكون قائداً تربوياً، وإدارياً عصرياً فاعلاً، ومثقفاً يلتزم بقيم الحق والعدل والمساواة والكرامة الإنسانية ليغرسها في محيط المدرسة ووجدان التلاميذ. وبالطبع فان كل ما ذكرناه ينطبق على بيئة الصف بالنسبة إلى علاقة المعلم بطلابه وعلاقات الطلاب فيما بينهم.
رابعا: المدرسة والجامعة الإلكترونية: قد يبدو أن هذا الموضوع ليس أكثر من خطوة من خطوات تحسين وتجويد عملية التعليم والتعلم. غير أن الإمكانيات الهائلة التي تحويها هذه الخطوة تجعلها تؤدي العديد من الوظائف. إن تقرير اليونسكو عام 1995 بشأن التعليم قد ركز في أنه في ظل الإمكانيات الاقتصادية المحددة والقوى التعليمية غير المؤهلة تبقى الوسائل الإلكترونية هي الأنسب في محو أمية الملايين وفي تعلم اللغات القومية والأجنبية بصورة أفضل وفي سد النقص في تعلم العلوم بسبب عدم توافر المختبرات وفي إعادة تدريب المعلمين وفي التعلم الذاتي. والواقع أن القائمة طويلة لإمكانيات هذه الوسيلة. وعلى الرغم من الاخفاقات الكثيرة المتكررة في استعمال الوسائل الإلكترونية على المستوى العربي القومي، ومن أبرزها محاولة حل إشكالية الأمية في الوطن العربي، فإن هذه الإمكانية قد أصبحت متوافرة بشكل أفضل وأرخص، مما يستوجب العودة الى هذا الموضوع برمته. إن المدرسة الإلكترونية سترفع كفاءة وجودة وفعاليات الخدمات التعليمية والتعلم والتدريب المستمرين مدى الحياة، وستوفر فرصاً للطلاب غير القادرين على متابعة التعليم في المدارس الرسمية أو المنقطعين عن الدراسة أو الذين يحتاجون الى تقوية أو الساكنين في مناطق نائية. وفي الوقت نفسه سيجد الطلاب الموهوبون فيها ضالتهم المنشودة للدراسة المتعمقة والموسعة. ومرة أخرى يجب التشديد على أن الكلفة الاقتصادية ستكون أقل والكفاءة الفنية ستكون أعلى إذا ما عولج هذا الموضوع على المستوى القومي أو الإقليمي. خامسا: المواجهة الشاملة للأمية: هناك سبعون مليونا من الأميين، أي حوالي ربع سكان الوطن العربي. وأغلب الظن أن هذا العدد هو أكبر بكثير إذا عرفت الأمية تعريفا صارما. في اعتقادي الشخصي أن مواجهة الأمية يجب ألا تقتصر على الجهود الحكومية، وإنما من خلال جهود مجتمعية شاملة، مركزة في فترة محددة تنتهي بانتهائها الأمية. لقد جرب بعض البلدان تجييش طلبة الجامعات والثانويات ووضعت محو أمية عدد من المواطنين كشرط من شروط التخرج. كما جربت دول أخرى تعبئة المتعلمين من أفراد جيوشها أو موظفي الدولة للإسهام في حملات مكافحة الأمية. وبالطبع قام المجتمع المدني، وبتنسيق كامل مع المؤسسات الرسمية، بدور كبير في تعبئة المتطوعين من المواطنين إبان تلك الحملات. لكن ذلك يحتاج الى قرارات سياسية على أعلى المستويات تعاني الأمة العربية عدم توافرها في كل المجالات بما فيها مجال التربية. لكن تلك الجهود، إن لم تصاحبها جهود متوازية وحاسمة في سد منابع الأمية الآتية من بقاء الملايين من الأطفال العرب خارج المدرسة أو بسبب تساقطهم المبكر، فإنها لن تفيد شيئا. فتجييش المجتمعات للقيام بمهمات وطنية أو إنسانية كبرى أمر بالغ الصعوبة وبالتالي لا يمكن أن يتكرر. لكن مستقبل العرب سيكون مظلما، وستعيش الشعوب العربية على هامش التاريخ، إن لم يحسم هذا الموضوع. ليس في موضوع التربية خفايا سحرية. إن الطرق الى نظام معقول، بل ممتاز، معبدة وسالكة. لكن القرار بدخولها هو المشكلة، إذ انه مرتبط بالسياسة والاقتصاد وثقافة المجتمع. ولما كانت الأرض العربية في حالة اهتزاز وغليان في وقتنا هذا فان كل احتمال وارد. هناك احتمال الأمل وهناك احتمال اليأس والتردي. علينا أن نختار.
* محاضرة ألقيت في مؤتمر «العولمة والتعليم« في الصخيرات بالمغرب مؤخرا.
المصدر :
http://www.abegs.org/Aportal/ShowArticle.aspx?ID=816
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق